جرة بغداد
موضوع استوقفني ..عُرِض على قناة الجزيرة الوثائقية .. الموضوع كان يعرض الحضارات القديمة وما وصلت اليه من تطور في العلوم .. وهنا يكمن موضوعي ..
جرة بغداد
ذكر الراوي مستعرضا بالصور الوثائقية انه قبل اكثر من 4000 سنة اخترع العراقيون القدماء جرة بغداد وهذه الجرة عبارة عن جرة فخار عادية مملوءة بالخل كمادة حامضية وأُدخل بها قطبين من مواد معينة يمثل احدهما الكربون والاخر يمثل الزنك على ما اذكر ثم تُغلق باحكام ويخرج من الاقطاب شيء ما اشبه بالسلك .. وكانت تستخدم هذه الجرة في ذلك الزمن البعيد لتوليد طاقة كهربائية بمعدل فولت واحد تقريبا .. وكانوا يستخدمون هذه الطاقة القليلة لطلاء المعادن بالذهب والفضة بوضعها بماء الذهب او الفضة ثم ادخال سلك الجرة في الماء وتتم بذلك عملية طلاء الحلي وغيرها.
وماتت هذه الاختراعات مع اندثار الحضارات القديمة وعادت الى الحياة مع ميلاد حضارات اخرى وانسبت اليها لكن البحوث اثبتت نسبها الى ما اسموه جرة بغداد في ذلك البرنامج.
وهذا ما هز قلمي وحركه للكتابة ...فبغداد التي حركت اول فولت للطاقة الكهربائية خالية الان من الكهرباء .. وشعبها يدعو الله كي يبعث لهم نسمة من الهواء قد تحرك لهم المروحة وترحمهم من حر شهري تموز واب .. لانهم قطعوا الامل في عودة الكهرباء ..
ولأن جرة بغداد التي انتجت الطاقة الكهربائية ما عاد فيها الخل ولا منتجات الطاقة الاخرى ..
بل انها تملأ الان بالبارود ومنتجات الدمار وتحول الى قنابل وعبوات ناسفة ...
وجرار بغداد التي كانت تعبأ بالزيت والمؤن الغذائية اصبحت مملوءة الان بالجوع والبؤس وصرخات الاطفال ..
وجرار بغداد التي ملئت بالعطور الزكية تفوح منها الان رائحة الدم والموت...
وجرار بغداد التي كنزت فيها الحلي الذهبية والمجوهرات والنفائس سلمها سارقيها ليد اميركا واخذوا ثمنها الذل والهوان ...
وحتى ... حتى الاربعون جرة التي اختبأ فيها الاربعون حرامي .. لو فتحناها اليوم لوجدناهم اربعون من الطاهرين اذا ما قارناهم بسارقي هذا الزمان وخونته ...
اه .. يا جرة بغداد اخاف ان انظر في اعماقك واخاف ان امد يدي فيك
اخاف ان يكون ما في قعرك اسوأ مما غرفناه لحد الان ..
وجرة بغداد ما زالت موجودة الان .. وما زالت تحمل كل الالوان ..
وتحمل الكثير من المفاجئات التي سيفاجئنا بها الزمان ...
لكن قلبي الذي حمل جرحك رحالا يحمل الكثير من الامل والكثير من الحب والوفاء لك ... حبيبتي بغداد