أسئلة وأجوبة حول الزهراء (ع)للسيد فضل الله
موقع الشخصيات التاريخية من واقعنا المعاصر
* هناك من يقول إنّ الحديث عن التاريخ وشخصياته عملية
تحجم دورنا المعاصر في حدود الماضي، في حين أنّ المطلوب هو أن نعيش
الواقع بظروفه وأن نكيِّف تطلعاتنا على أساسه، فيما هو الدور المعاصر
للمرأة؟ فما هو تعليقكم على ذلك؟
- الماضي على قسمين: فهناك ماض يموتُ، وهناك ماضٍ
يحمل عناصر الخلود والبقاء. لأن الحقيقة التي تعيش في الحياة واحدة،
ولذلك ليس للحقيقة عمر، ليس لها ماضٍ ولا حاضر ولا مستقبل.
والأشخاص الذين يعيشون في قلب الحقيقة، والذين
تنطلق حياتهم من موقع القيم الروحية والأخلاقية التي تمتد في الزمن،
هؤلاء لا يموتون، وهؤلاء لا يشعر الإنسان بأنهم جزء من الماضي الذي
ذهب، بل يرى أنهم مظهرٌ للزمن الذي يتجدّد، لأنهم يتجدّدون مع الزمن،
ويجدّدون الزمن.
ونحن عندما نعيش حياتنا هذه المتحركة المتطوّرة،
التي تضجُّ بالمتغيرات على كل المستويات، قد نحتاج إلى أن نبحث قضية
المرأة كإنسان، كيف يمكن أن تعيش المرأة في الواقع، هل إنها في ذاتها
تعيش نقصاً في إنسانيتها وبذلك فإنها تعيش نقصاً في دورها؟ أو أن
الإنسانية تتكامل في الرجل والمرأة، فللرجل معنى يغني الإنسانية في
خصائصه الذاتية، وللمرأة معنىً يغني الإنسانية في خصائصها الذاتية،
وأنّ الإنسانية تتكامل في الرجل والمرأة على أساس أن يحرّك الرجل
إنسانيته ليُغني بها تجربة الحياة، وأن تحرّك المرأة إنسانيتها لتغني
بها تجربة الحياة.
فالله سبحانه لا يريد للمرأة أن تتحرّر من
أنوثتها، لأنها جزء من شخصيتها، ويمكن أن يحقق الكثير من الإيجابيات في
حركتها في الحياة. والله لا يريد للرجل أن يلغي ذكوريته، لأنّها جزء من
ذاته، ويمكن أن يحقّق الكثير من إيجابيات الحياة.
وعلى ضوء هذا سنذكر السيدة الزهراء (ع).. هذه
الإنسانة التي لم تعش في الحياة إلاّ مرحلة الطفولة والشباب، فهي لم
تقترب من مرحلة الكهولة، وإنما بقيت في ريعان الشباب، على مختلف
الروايات التي تتحدّث عن زمان ولادتها، لكنها عاشت في طفولتها
إنسانيتها كأغنى ما تكون إنسانية الطفل. وعاشت في شبابها إنسانيتها
كأغنى ما تكون إنسانية الشباب.
لم تعبث كما يعبث الأطفال، ولم تلهو لهوهم. عاشت
طفولتها مع أمّها، وكان البيت مثقلاً بكل أعباء الرسالة.
كانت ترى أباها يأتي من المسجد، وترى آثار التعسّف
الذي يمارسه القوم ضده، فكانت تلقى أباها وهي طفلة لتخفّف عنه، لتزيل
عنه بعض الآثار التي كان يلقيها عليه مردة قومه.
وعندما ماتت أمّها وهي في الخامسة من عمرها،
تكفّلت أن تعطي أباها كلّ شيء يملأ فراغه.
وإذا كان النبي (ص) لا يعيش الفراغ الإنساني في
شخصيته من خلال امتلاء شخصيته بنبوته، فإنّ النبيّ بشر عاش كما يعيش
البشر الحاجة إلى الأحاسيس العاطفية، إلى حنانِ الأُمّ، وإلى رعاية
الزوجة الممثّلة بخديجة (ع)، وكانت فاطمة طفلةً آنذاك، واعيةً وعي
الكبار، وشعرت أنها لا تستطيع أن تعطي أباها، إلاّ كلَّ هذا الدفق من
الحنان ومن العاطفة، وعرفنا تأثيرها في أباها آنذاك، عندما كان يتحدّث
عنها ليقول عنها إنها أم أبيها.
ولاحظنا أنّ الزهراء (ع) عاشت زوجةً كأفضل ما تكون
الزوجة. لم تحتقر دورها كزوجة تخدم زوجها في البيت، على أساس أنّ ذلك
لا يتناسب ومكانتها، بل اعتبرت أنّ عطاءها في داخل البيت يمثّل
مسؤولياتها الطوعية لا الإلزامية، لأنّ الإسلام لم يكلّف المرأة بشكلٍ
شرعي أن تخدم بيتها، لكنه أرادها أن تعيش روحية الرسالة في حركة البيت.
وهكذا رأيناها في أمومتها، ورأينا قساوة الدور
بالنسبة إلى جسدها الضعيف، قساوة دورها كزوجة على جسدها، وقساوة دورها
كأُم على جسدها، لكنها تحمّلت ذلك واعية صابرة.
ثم رأيناها (عليها السلام) تقوم بمسؤولياتها
الرسالية المتنوّعة، فقد حرّكت الحق في ضمير الأمة، وقدّمت الدرس
الأكبر في التعامل مع الواقع الذي أحاط بالأمة بعد وفاة الرسول (ص)،
وكانت صاحبة الموقف الذي امتدَّ عبر الزمن وظلّ حيّاً إلى الآن، وسيظل
كذلك.
إنّ دراسة تجربة الزهراء (ع) ليس عودةً إلى الماضي
تريد أن تتحجّم فيه، إنما هو استيحاء الماضي من خلال تجربة رائدة
صنعتها شخصية معصومة، وإنّ هذه التجربة لم تكن في يوم من الأيام
مقتصرةً على الماضي، بل هي ممتدة مع الزمن حيةً متجدّدة.
الزهراء (ع) قدوةُ للرجال والنساء:
* من خلال دراسة دور الزهراء الرسالي، وهي ابنة رسول
الله وزوجة الإمام علي، كيف ترسمون الدور المطلوب من النساء أن يتمسكن
به في ضوء ذلك؟
- في أجواء الزهراء (ع)، لا بدّ من استيحاء فكرة
هامة، فكرة تنطلق للرجال والنساء معاً، وهي أنّ الإنسان الذي يملك
طاقةً _ أي طاقة من الطاقات _ ويعيش دوراً في أي مهمة يريد الله منه أن
يقوم بها، لا بدّ أن يقوم بدوره كاملاً غير منقوص، ولا بدّ أن يحرّك
طاقاته ليخدم بها الله، ويخدم الناس والإسلام.
إنّ فاطمة (ع) وهي ابنة رسول الله (ص)، كانت في
الوقت نفسه، لا تترك دقيقة من وقتها إلاّ وتحرّكها من أجل القيام
بمسؤولياتها، ولهذا فإنّ علينا أن نفكّر في الحياة، بأننا مخلوقون
للعمل وللمسؤولية، لنجعل كلَّ عمل وطاقةٍ من طاقاتنا في خدمة الله وفي
خدمة الناس، وفي خدمة الحياة.
من فاطمة (ع) نتعلّم أنّه يكون الإنسان في موقع
متقدّم في المجتمع، فليس له أن يعيش بعيداً عن مسؤوليته، «كلكم راعٍ
وكلكم مسؤول عن رعيته»(1)،وسيُحشر غداً كلّ إنسان أمام
الله، ويحاسب على كل دقيقة صرفها في بطالة، وعلى كل طاقة أضاعها، وعلى
كلِّ جهد بدّده في غير منفعة.
غداً عندما نقف أمام الله سنعرف قيمة كلِّ الوقت
الذي نصرفه، وقيمة كل الجهد الذي نبدّده، وكل الطاقات التي نتركها في
الفراغ.
نتعلّم من خلال فاطمة (ع) التي عاشت كلَّ وقتها،
وصرفت كلَّ جهدها، وعاشت كلَّ دورها، وانفتحت على ربها، وعلى الإسلام،
وعلى الرسالة، وعلى حياتها الخاصة، ولم تدع جانباً يطغى على جانب..
نتعلّم كيف نكون قريبين إلى الله.. وكيف نكون منفتحين عليه.. وكيف نجعل
حياتنا في خدمة الله وفي خدمة الإسلام.