لفصح العراق وآلام المقاومة
دمشق
صحيفة تشرين
آفاق
الخميس 16 نيسان 2009
الشيخ حسين أحمد شحادة
(1)
أيقظتني في الدجى، وأورقت زهرة الله في تسبيح معبدك، وطلعتها ملتقى غزة تملأ جفن مريم بقيامات القدس من وجه المسيح، وفيضها ملتقى من عبروا في عباءة الحسين، بأوسع من مشتهى الجبل إلى أقمار الجنوب. وما ارتقت صعداً إلا بكف الشام، تمد شراع الفصح بهوى نبع هبوبها للحق، ونزيف شعلتها، التي اختبأت بورود أناملها العازمة..
(2)
نتعزى بالقيامة.. وطوبى لمن كانوا أبناء القيامة والفصح شوق لاقتحام جدار الصمت.. والفصح، أودع زينب عبء اللغة الساطعة، والفصح في محياه قمرة من آذان الفجر وطهر زمزم أن يكشف عن فلسطين ما استتر من مقامها في أصائل البدء والمنتهى.. ومعناه القدس في عروق الجسد وأعراق التراب جلوة الوطن من كوكبين أو طلوعين مجبولاً بسر استجلاء الكلام من الكلام.. والزمن الأخضر رغداء الحنين إلى أنثى الوطن.. وخبزنا في براري النسّك تنوّر بخميس الأسرار وسبت العازر بلى لكل صليب قيامة، ولكل قيامة ميثم التمار أو صليب..
(3)
نجني على الوقت نبض ضيائها، وإفصاحها قلبها الصب تهادى بمائسات الجهاد نحو سقف الزنابق. هنا اعتليت قداس الألم، وهنا أبصرت قداس الفرح، وأنا حين ربطت اسمي بأوتار اسمها عادت إليَّ الأرض وفاضت من أضلاعي موسيقا الوجع وأعلنت مملكتي في السماء.. وبولس يأتي إليَّ باثنين الرماد واثنين الراهب ويقول لي: أبلغ الكلام، كلام دمشق.. ويا سرها في واهب الحياة للذين هم في القبور..
(4)
وأنت باعثة الروح يا مليكة الروح يا أم أشبال اللجة والريح والماخرات تجري وتشدو طلوع هواك وما ترنّمت إلا لأهزوجة الأهوال.. وما بسقت بيروت إلا بأفنان ما تزجيه من حفيل الصنوبر بنضرة صباحها العربي.. ودواليك نيّرات الفصح من رامحات الجلال والمقاومة.. وها جيء بحكيمات الأرض لعريس الأرض وقيل سلام..
(5)
ولا من يساميك يا بنة القدس، يا قطوف الوصال، يا عسجد الأقصى، يا مشرقات الكنائس خذي نبأة الفرات وخذي من غيهب العراق جمرته فما طاب العراق إلا بمرنان دجلة وما طاب نشراً قبل إحراقه الند.. وسابقينا إلى أواصر وحدتنا الكبرى ولولا دمشق ما غرّد الفصح على وجه العروبة ولولا العراق الأمهات ما غرّد الفصح على وجه التي تصلي ولا تنام.
(6)
ولي من فصح القمر الشامي بوح الصبابات وإغداق ما يواسي غربتي في رغاب الحب الندي.. وخافقة الشام وجد من أقاح الذاكرة وأجمل الأنهار تاريخها الصعب وحين يضيء بتسكاب مطلعه تغدو البدايات خاتمة الفيحاء أو كأنما حين توقظ في النهايات عمرنا المصلوب تعلن مشكاة التكوين .. يا لها الشام تكسر قيد الهوان وتمحو زؤام الموت والليل بما استيقنت من فصح النهار وممراح السنابل وليس في دمشق إلا صاعد بقمح مسراه بالحق إلى شمس الحقيقة.
(7)
ودمشق رغم اليباب تفتح أذرعها لفصح الطفولة وتغسل المدائن الخائفة وحين يغفو الزمان ولا يبقى سوى دمشق تفك النبوءات أسفارها ويأتي الخلاص فتحرسه بصوارم ليثها وتصاول بجميع كلكلها كي لا تباح في العاصفات أيُ الحجاب.. أو يسقط الأندلس في هتار الأندلس.. وشعانين الجمعة شعلة الزيتون في وقدة الغصون التي تحترق وتنتصر..
(
ستون مرّت من سني جمالك.. وفداؤك يا شام تلك التي بعثت في المعضلات بعد يأس الشمال و قنوط اليمين وما همك إلا أن كشفت معنى الوفاء لأم الكلمة ورفعت الأستار عن فصح الدارعين إلى فصح المقاومة التي تغفر ولا تمين.. ولك أن تخشعي بالصمت في محرابها وقديماً قالت القصيدة يا سيدتي، «أفصح الألسن صمت الخاشعين..».. وقديماً قالها الفصح.. لصخر الحجارة أضئ نهرك العذب فإن سكتوا تكلم..
(9)
وحسبك أن هذا الفصح قد أنجب من جلّى القيام أقماراً من الشهداء وحسبك منه في فدفد البحث عن المعنى نضار المنبت في الإعصار أو نضار المناجيد كلما أوشكت فلسطين على حرائقها ، كذلك وكلما أشعلوا لحروب الفتنة ناراً أطفأها الله.. وها جئتك الآن يا بغداد حاملاً نخلتي إلى نخلتي لفصح العراق وآلام المقاومة وأقولها بملء صرختي حقاً قام فتزيني أيتها الجهات للذي ارتفع فوق الجهات وقام..