حوار لندن ـ حزب الله هادئ وتدريجي وأميركا تترقّب

خرج إلى العلن خبر بداية العلاقة بين حزب الله والحكومة البريطانية. فوجئ كثيرون بهذه الخطوة الثنائية، التي سعى إلى إنجاحها الطرفان. ولكل منهما أسبابه.
من الجانب البريطاني، أكد أمس وزير الخارجية، دايفيد ميليباند، في حديث لإذاعة «بي بي سي» البريطانية، أنه «سمح باتصالات مع حزب الله على مستوى غير رفيع لنوضح لهم أننا مصرّون على تطبيق القرار 1701». عن هذا التواصل، يقول الناطق الرسمي باسم الحكومة البريطانية، باري مانستون، إنّ حكومته أخذت قراراً «مبدئياً» بهذا الخصوص. أضاف: «نريد، بطريقة تدريجية، التواصل مع حزب الله على مستوى البرلمان أو المستويات ذات الطابع السياسي والاجتماعي، بعيداً من المستوى العسكري». وأوضح أنّ الحكومة البريطانية تريد الاستفادة من الأجواء التي تلت اتفاق الدوحة لتحسين العلاقة مع حزب الله، بعيداً من «الجناح العسكري للحزب، الذي أثبتت الأدلة أنه مرتبط بعمليات عسكرية ضد القوات البريطانية في العراق، وأنّ الحزب يقوم بمساعدة وتمويل ميليشيات عراقية تقاتل قواتنا». وختم: «نحن لا نسمح بحصول هذا الأمر».
في حديثه عن «التدرّج» في التواصل، يشير مانستون إلى أنه يمكن السفارة البريطانية في لبنان أن تؤدي دوراً مهماً في هذا الإطار «للتفاهم أكثر معه ولمناقشة قضايا مشتركة». وكشف مانسون أن الاتصالات التي سمح ميليباند بإجرائها حصلت خلال زيارة لجنة برلمانية بريطانية للبنان منذ نحو شهر، ولقائها مجموعة من القوى السياسية اللبنانية. ولفت إلى أنّ اللقاء لم يكن ثنائياً بين الطرفين.
من جانب حزب الله، الموقف البريطاني الأخير القاضي بمعاودة الاتصال به، مرشح لينعكس قريباً في سلسلة من الخطوات العملية التي تهدف إلى استئناف التواصل بين الجانبين. الأمر لا يزال في هذه الحدود، علماً أن الجهات المحلية أو البريطانية التي عملت على تحضير الموقف الأخير، تشعر بأن هناك حاجة إلى استغلال قرار الحكومة البريطانية بخطوات عملية لمواجهة احتمال قيام حملة مضادة داخل بريطانيا أو من جانب إسرائيل والولايات المتحدة ضد هذا التوجه.
اكتفى حزب الله بالتعليق على الموقف البريطاني عبر تصريح مسؤوله الإعلامي، إبراهيم الموسوي، الذي قال: «هذه المراجعة السياسية خطوة في الاتجاه الصحيح، وسنرى كيف ستترجم عملياً». بعيداً من هذا الموقف المقتضب، ثمة متابعات تظل بعيدة عن الأضواء لتطوير النقاش بين الجانبين، من دون إغفال قضية أنّ الخطوة البريطانية لا تعكس انقلاباً جذرياً في موقف لندن من الحزب كحركة مقاومة، وخصوصاً أن الموقف الرسمي لا يزال يقسم الحزب إلى جهازين: سياسي مسموح بالتواصل معه، وعسكري يعدّ منظمة إرهابية يحظر الاتصال بها.
ومن غير المتوقع تغيير هذه المعادلة على اعتبار أنّ إقرار بريطانيا بشرعية المقاومة يعني أن عليها الإقرار بشرعية حركات المقاومة في لبنان وفلسطين، وأنها تتراجع عن خطابها السابق الذي يتّهم نهج المقاومة بضرب عملية السلام.
حتى اليوم، لم يغفر حزب الله للبريطانيين أداءهم السلبي غير الإنساني تجاه المقاومة وتغطيتهم جرائم إسرائيل، وقبولهم تحويل لندن إلى معبر للقذائف الأميركية التي أرسلت إلى تل أبيب إبان حرب 2006، والتي استُخدمت ضد المدنيين. إضافةً إلى موقف الحزب الحاسم ضد الاحتلال البريطاني للعراق. كل هذه الأمور جعلت حزب الله يرفض أي عرض بريطاني لتولي مهمات التفاوض غير المباشر في عملية تبادل الأسرى مع إسرائيل، وهي تدفعه اليوم إلى التعامل بحذر في العلاقة مع أبناء المملكة المتّحدة.
وينعكس هذا الحذر عبر رفض الحزب بعض الاتصالات السرية أو العلنية على اعتبار أنّ أطرافاً خارجيةً ــــ منها بريطانيا نفسها ــــ تخجل من علاقتها أو اتصالها بمسؤولي الحزب. وهو ما جرى الاتفاق عليه بين قيادة الحزب والسفارة البريطانية.
وثمة نقاش في الحزب يدرس الترتيبات اللازمة لعقد اجتماع بين السفيرة البريطانية ومسؤول بارز في الحزب، قد يطلق آلية التواصل ويتطوّر إلى مستوى رفيع بين الطرفين. فيقوم مسؤول العلاقات الدولية في حزب الله، نواف الموسوي، بدراسة الملف من زاوية إدارة الاتصالات وجدول الأعمال والنقاط المفترض متابعتها. مع العلم أن ثمة في الحزب من يقدّر الدور الذي أدّته السفيرة البريطانية في بيروت، فرانسيس غاي، لجهة دفع حكومتها إلى التعامل بواقعية مع الحزب وتجاهل الأصوات الداعية إلى مقاطعته وعدم التعامل معه.
في الإطار ذاته أكدت الولايات المتحدة في أول رد فعل لها على قرار بريطانيا رفع الحظر عن الاتصال مع حزب الله، أن موقفها تجاه الحزب لم يتغير. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية غوردون دوغيد إن مسؤولين بريطانيين أبلغوا نظراءهم الأميركيين مسبّقا هذا القرار. أضاف في إيجازه الصحفي أمس الجمعة: «البريطانيون قرروا إجراء حوار سياسي مع حزب الله من وجهة نظرهم». وإذ أشار إلى أنه ليس في موقع الحكم على قرار تتخذه الحكومة البريطانية في هذه القضية المحددة، أكد: «لسنا مستعدين لاتخاذ الخطوة ذاتها... وموقف الولايات المتحدة إزاء حزب الله لم يتغير». لكنه أوضح أن الولايات المتحدة ستتابع وتراقب كيف سيجري الحوار بين بريطانيا وحزب الله.