نقلا عن عرب تايمز
لا يختلف اثنان على ان ما يحدث في سوريا ليس حراكا شعبيا اراديا مستقلا عن ما يُخطط له من قبل الخارج اي بصريح العبارة لا يوجد عاقل يصدق ان الغاية من دعم المعارضين للنظام السوري هو تحقيق الديمقراطية والعدالة وحقوق الانسان لاننا كعرب نعرف جيدا مقدار الخبث الغربي واهتمامهم فقط بمصالحهم الاستراتيجية دون الاهتمام بمصائر شعوب هذه المنطقة ، فما الذي يريده الخارج من الداخل السوري وما هي الاهداف الحقيقية لما يحدث في سوريا .
من حق اي شعب ان يثور ضد نظام حكمه وان يُسقطه باية طريقة يريدها حتى ولو استعان بالشيطان فهو يبرر كل ذلك على اعتبار ان ما ستكون عليه سوريا لن يكون اكثر سوءا من وضعها الحالي كما يعتقدون ولكن مرة اخرى لا اريد ان اناقش هذا الامر الذي هو نقاش لا طائل منه ولكن اريد ان افهم حقيقة لماذا كل هذا الجنون العالمي لاسقاط النظام في سوريا .
بعد ان امتدت نيران الثورات الى ليبيا كتبت عدة مقالات عن معمر القذافي وطبعا كالعادة انبرى بعض الاخوة للتهجم علي بحجة انني ضد الديمقراطية وحقوق الانسان وحق الشعب الليبي بالتحرر وكنت قد رددت بعدة مقالات لاحقة بنفس الموضوع اشرح فيها انني لا ادافع عن القذافي ولكنني خائف على ليبيا واليوم كل من هاجمني لم يعد يهمه ما يحدث في ليبيا من دمار وقتل وحرق لكل شيء ليبيا تحترق بكاملها ودولة تنهار وشعب اصبح مشردا ومئات الالاف من القتلى والجرحى ولا يبدو ان في الافق نهاية لتلك الازمة .....
اما المفكررررر العربي عزمي بشارة فما زال جالسا وكرشه امامه في استوديو الجزيرة يحلل ويحلل دون ان يرف له جفنا لسقوط بلد باكمله.
ما اردته من هذه المقدمة ان اوضح للقارئ ان عليه ان يرى ويفهم حقيقة ما الذي يريدونه لسوريا بغض النظر عن موقعه ان كان معارضا او مؤيدا للنظام او محايدا لاننا نتكلم عن سوريا الدولة والشعب قبل النظام ولان ما اراه حقيقة هو مسار معين يبدو ان هناك اتفاق عالمي لدفعنا للسير باتجاهه وهو يعتمد اعتمادا كليا على ما تم ترويجه منذ اكثر من عشر سنوات عن خطر شيعي مزعوم تم تجهيز الارضية له عبر عنوانين بارزين هما اسقاط صدام في العراق واغتيال الحريري في لبنان لان اسرائيل تدرك ان صراعا شيعيا سنيا سيكون بمثابة صمام امان لكيانها خصوصا ان الصهاينة يعلمون جيدا مدى الكراهية والتعصب الديني المزروع منذ عشرات القرون بين المذهبين الاسلاميين الكبيرين .
في العراق كانت البداية وساعد في ذلك آلاف المعممين من الشيعة والسنة الذين بالغوا في تعصبهم وتهجمهم بعضهم على بعض فتمكنوا في خلال سنوات قليلة من تحقيق ما عجزت حرب ضارية لعشر سنوات بين العراق وايران من تحقيقه وفي لبنان اغتيل رفيق الحريري وبدأت مرحلة جديدة من الشحن المذهبي والطائفي بوجود ماكنات اعلامية ضخمة وكتاب مأجورين روجوا للفتنة واسهموا في تعزيز الانقسامات المذهبية لنصل الى المشهد الذي اصبح فيه البعض يرى في الصهاينة حلفاء مخلصين .
ولكي يكتمل المشهد لا بد من اعادة توزيع ديمغرافي ومذهبي وعرقي في المنطقة العربية لان المطلوب كما حدث في حرب الخليح الاولى توازن للقوى لا يسمح لاحد ان يربح تلك الحرب هذا الميزان الذي اختل بشكل كبير لصالح المارد الشيعي الايراني فكان لا بد من لاعبين جدد لان العرب السنة فشلوا في مواجهة المد الايراني لضعفهم اولا ولانهم مجرد دول كرتونية لا وزن لها .
هنا نفهم اليوم حقيقة الموقف التركي ورغبته لعب ورقة السنة العرب في وجه ايران لترتسم حدود المعركة القادمة التي لا مكان فيها للاقليات ودولها قيد الانشاء لتكون دروع بشرية لحماية الكيان الصهيوني عبر ايهامها ان لا علاقة لها بالصراع الدموي القادم ووظيفتها الوحيدة ان تكون في خدمة الكيان لا اكثر ولا اقل .
الصورة اذن ليست حراكا ديمقراطيا بل مشروع جهنمي بوابة عبوره سوريا ان احببنا نظامها او كرهناه . نظام اصبح وجوده عبئا على كل دول الجوار القريبة والبعيدة التي ترى فيه نقيضها الفكري بعيدا عن المتشدقين بديمقراطية لا وجود لها في كل كياناتنا العربية .
سوريا ليست الاستثناء الديكتاتوري في محيط ديمقراطي تعددي منسجم وكل من يظن ان المطلوب دمرقطة سوريا لا يفقه شيئا في الف باء السياسة ومكرها وقدرتها على صنع الحدث وتوجيهه بما يخدم اهدافها ، من سينتصر في سوريا ليس الثوار الديمقراطيين السلميين بل الفوضى الهدامة والصراعات العبثية الى ان يكون هناك فرز طائفي وعرقي حقيقي قد يكلف ملايين من القتلى .
الجولة الاولى انتهت بتعادل سلبي بسبب ان النظام قد استوعب الموجة الاولى وستليها موجات جديدة مدعومة بشكل وقح من الدول التي تسعى لدور ريادي على حساب دور سوريا التوفيقي الممانع الوطني والوحدوي ونظرة سريعة على تصريحات متنوعة لاردوغان وهوشيار زيباري والان جوبية وكلينتون وكل كتاب النفط سيرى بوضوح وخصوصا ما خفي بين السطور انهم مصممون على متابعة المعركة الى ان يتحقق لهم ما يريدوا .
ولكن هل سينجح المشروع في اسقاط النظام الامر مرهون بوعي الشعب السوري وقدرته على التمييز بين شعارات جذابة لا امل لها بالتحول الى واقع ملموس لان الخطة تتطلب امرا اخر تماما وعندها يصبح التعويل على نجاح ثورة ما هو ضرب من ضروب الانتحار السياسي وتدمير لدولة بحجم سوريا كشرط لاطلاق صفارة البداية ، بداية لحرب لن تنتهي فصولها في المدى المنظور وما دور بعض النظم العربية التي تهول وتفبرك الاحداث في سوريا الا ككاسحة الغام تمهد الطريق لتسريع تنفيذ الخطة . وما نزول الأعراب باثقالهم النفطية في وجه قلعة العروبة والتاريخ والمجد سوريا الا لان تطور الاحداث منذ عدوان تموز كان يشير الى ان هناك مازق استراتيجي وحالة من الاهتزاز الشديد تعيشها اسرائيل . كان العقل والمنطق يشير الى ان شيء ما يحُضر على عجل لكسر الحواجز التي فرضت على الدولة العبرية وافقدتها القدرة على المناورة والتمدد والسيطرة لذلك طلبت النجدة من اصدقائها في المنطقة فلبوا الندء فورا كعادتهم وها هم يترقبون تطور الامور بشغف استعدادا للجولة الثانية من معركة الالف عام .
ما مصلحتنا كسوريين في كل ذلك ، سؤال يختصر عمق الازمة الوجودية لامتنا التي لم تستطع ان تكون عبر تاريخها الا لاعب احتياطي في معركة لا ناقة لهم بها ولا جمل .
ان كل ما نامله وما نعرفه عن سوريا انها ستهزمهم شر هزيمة لان الشعب السوري بغالبيته العظمى يعلم جيدا ان اللعب بمصير سوريا هو كارثة على الجميع ولن ينفع عندها ان يبقى البعض في موقعه الرمادي شاهد عيان آخر من الاف شهود العيان المنتشرين في كل المحطات المعادية والمتاجرة بالدم السوري .
سوريا ليست مجرد دولة عادية لتسقط ولو قُدر لها لا سمح الله ان تتشظى فلن يعرف العالم العربي بعد ذلك مفردات الاستقرار والامان وسيشهد العالم حربا بكل انواع الاسلحة وموجة جديدة من العنف اللامنتاهي وما مشهد سلخ جلد احد رجال الامن السوريين وهو حي في مدينة نوى السورية وذبح آخرين في اماكن اخرى الا اصدق تعبير عن خلفية الجهة التي وجهت لفعل ذلك وهي بدون شك جهة شيطانية لا علاقة لها باسلام او بمسيحية او انسانية .
من يظن ان ثورته اسلامية ويحتمي ببعض رجال الدين ويأتمر بامرهم لا يدري انه يدمر ليس فقط سوريا كدولة بل مجموعة من القيم الانسانية والروحية والدينية في بلد عُرف عنه انه ملاذا لكل المضطهدين والهاربين من الحروب والازمات بلد عرف استقرارا امنيا واجتماعيا ولم يعرف التفرقة المذهبية ومارس الجميع طقوسهم الدينية بكل حرية وامان بتعبدون الله بخشوع وايمان كل حسب طريقته ومعتقده .
حمى الله سوريا من كل شر ارض للطهارة والايمان كانت كذلك وستبقى ولن يعبد الناس على ارضها الا الله وحده وستبقى صمام امان لكل الامة التي يبدو ان ما يريده الاعداء لها هو ان تعبد شياطين الحقد والتعصب والاجرام والقتل على الهوية والذبح بدم بارد برودة دماء من لم يعرف الله يوما ولم يعبد في تاريخه الا شهواته الاجرامية .