)*)(: الشعارات الحسينية مصدر إلهام لتحركنا الجهادي
إننّا عندما نتابع الشعارات الّتي رفعها الإمام الحسين (ع) في كربلاء، وجعلها أساساً لثورته، وقاعدةً لانطلاقته، ومسوّغاً لتحرّكه، فإنما نريد أن تلهمنا تلك الشعارات سلوك الخطّ الجهادي الإسلامي، خلافاً لكل أُولئك الذين يشجّعون الاستسلام والاسترخاء، والانهزام والخضوع، حين نجدهم يطرحون علامات الاستغراب أمام موقف الإمام الحسين (ع) في كربلاء، كونه ألقى بنفسه في التهلكة، دون أن يفوتهم الاستشهاد بالآية الكريمة الّتي تقول: {ولا تُلقُوا بأيدِيكُم إلى التَّهلُكة} (البقرة/195).
ومن خلال هذا الخط، نعرف كيف استطاع الاستعمار أن يجمّد الإسلام في نفوس الذين أصبحوا اليوم رموزاً للإسلام، وكيف استطاع هذا المنطق أن يحوّل الإسلام إلى شعور بالذل والخضوع.
حساب القادة
هناك فكرة يجب أن نعرفها، وهي أن النبي محمد (ص) والأئمة (ع) ليس لديهم تكاليف خاصة، قد تكون هناك تكاليف معينة في موقع مسؤوليتهم كمسؤولين، ولكن ليس عندهم تكاليف سرية، وما من شيء إلا وقد بيّنه الله لرسوله، وما من شيء إلا بيّنه الرسول للناس. النبي (ص) وقف أمام أُمّته في أواخر لحظات حياته، حتى يعلّم القادة والأمة معاً أنّه ما دام الإنسان قائداً للأُمة، فلا بد له أن يقدم تفسيراً للأُمة في أفعاله كلّها، حتى لو لم يكن مسؤولاً أمام الناس، وقد كان الرسول (ص) يفعل ذلك، فقد وقف (ص) وقال: «أيُّها الناسُ، إنَّكم لا تُمسكُونَ عليَّ بشَيءٍ، ما حَلَّلتُ إلا ما حلّلَ اللَّهُ، وما حرّمتُ إلا ما حرّم اللَّهُ».
الرسول يقول: ادرسوا تاريخي منذ بدأت الرسالة حتى الآن واعرضوه على القرآن، إني لم أحلّل إلاّ ما حلّل الله، ولم أُحرّم إلاّ ما حرّم الله. ولهذا رأينا رسول الله يبين للأُمة كل شيء، وكذلك الإمام علي (ع). إنّ (نهج البلاغة) يمثّل خلاصة تفكير الإمام الّذي استوحاه من القرآن في جوانب العقائد والشريعة والحكم والسياسة والصراع وما إلى ذلك...
ووصل الأمر به أنّه قال للناس: «فلا تُكلِّموني بما تكلَّمُ به الجبابرَة»(1).
فقد شرح للناس سياسته وطريقته، وكان يسوغها ليثبت لهم أنّه يسير على خط الشريعة في كلِّ سيرته وأعماله، لأن دور الإمام والقائد والحاكم أن يثقّف الناس فيما يدعوهم إليه، ولهذا نعتقد أن سيرة النبي تمثل الشريعة على أساس ما أنزل الله، كذلك الله قال: {لقد كانَ لَكُم في رَسولِ الله أُسوةٌ حَسَنةٌ} (الأحزاب/21).
وعليه، فالشعارات الّتي طرحها الحسين (ع) في كربلاء تعتبر أُسساً شرعية حول الحكم، ويبقى دور القادة إن يدرسوا هل أن مرحلتنا هي مرحلة الحسين (ع) أو لا، هل إن الشروط نفسها موجودة الآن؟
فعلينا في كل مرحلة من مراحل حياتنا أن ندخل في عملية مقارنة بين الظروف الّتي كانت تحيط الإمام الحسين (ع)، والظروف الموجودة لدينا حالياً. فإذا وجدنا تطابقاً بالظروف، فعلينا أن نستلهم من ثورة الحسين (ع) ومن أوضاع جميع الأئمة (ع) ما نواجه به واقعنا ومرحلتنا.
العزة لا تصدر بمرسوم
إنّ موضوع العزة في مقابل الذلة يمثل الإطار العام الّذي يلتقي بكل الأمور المقدسة. فالله جعل العزة لنفسه ولرسوله وللمؤمنين، ومعنى ذلك أن لا خيار للمؤمنين بأن يكونوا أذلاء. ليس من حقك أن تتنازل عن عزّتك. إن الإمام جعفراً الصادق (ع) استوحى من الآية الكريمة الّتي تقول: {وللَّهِ العزّةُ ولرسوله ولِلمؤمنين} (المنافقون/8 وقال: «إنّ اللَّهَ فوَّضَ للمؤمنِ أمرَهُ كُلَّه، ولم يُفَوِّضْ إليهِ أن يكونَ ذَليلاً»(1).
بعض الناس يفهم كلمة العزة أن يملك المال والراحة والجاه... إلخ، ولا مانع لديه من أن تكون كل الأوضاع والنشاطات في حياته منطلقة من خضوعه لسلطة معينة. هناك فرق بين أن تملك قرارك وفكرك، وبين أن تكون عبداً للآخرين. فإذا سيطرت وأنت تملك قرارك، تكون قد سيطرت من موقع إرادتك الذاتية، أمّا إذا كنت تأخذ السيطرة من مكان خضوعك لأُناس آخرين، فتكون السيطرة هي سيطرتهم وتحرّكهم. إنهم يتحركون من خلالك وأنت الأداة. والأداة هنا على قسمين: أداة تسمع وتتكلم، وأداة لا تبصر ولا تتكلّم.
{بَشِّرِ المُنافِقينَ بأنَّ لَهُم عَذاباً أليماً* الَّذينَ يَتَّخِذونَ الكافرِينَ أولياءَ مِن دُونِ المؤمنينَ أيبتغُونَ عندَهم العِزَّة} (النساء/138-139).
{قُلِ اللّهمَّ مالِكَ المُلْكِ تُؤتي الملكَ مَن تشاءُ وتَنـزعُ الملكَ مِمَّن تشاءُ وتُعِزُّ مَن تشاءُ وتُذِلُّ مَن تشاءُ بيدِكَ الخيرُ إنَّكَ على كُلِّ شَيءٍ قَدِير} (آل عمران/26).
وهنا لا بدّ أن نشير إلى وجود فرق بين أن تأخذ العزّة بمرسوم، وبين أن تأخذها بقناعة وإرادة... الذين يأخذون العزّة بمرسوم هم عبيد أذلاء. عندما تفكر بالعزة، فإن معنى العزّة بالإسلام أن تكون ذليلاً أمام الله وعزيزاً في حياتك.
التزامنا بالحسين لا يعني أن نكون انفعاليين
قال الإمام علي (ع): «لا تكُنْ عَبْدَ غَيرِكَ وقَد جَعَلَك اللَّهُ حُرّاً».
أنت ذليل لله فقط، وأمام الناس حر وعزيز. على هذا الأساس، إذا أردنا أن نكون أعزاء، فإنّ علينا أن نقف موقف الحسين (ع) في واقعنا الحاضر..
عندما يراد لنا الخضوع للاستعمار والاستكبار، علينا أن نقول كما قال الحسين في كربلاء: هيهات منّا الذلة.
لا بمعنى أن تنطلق بشكل حماسي وانفعالي. إنّ معنى الثورة أن نقف على سلاحنا، ونخطّط ونناور، ونفعل كل ما بوسعنا، كما قال الله سبحانه: {يا أيُّها الذينَ آمنَوا اصْبِروا وصابِروا ورابِطوا} (آل عمران/200).
لهذا علينا أن نأخذ من الحسين (ع) هذا الخط الّذي يحمل فيه كل إنسان حالة الرفض العملي لكل المخططات الّتي تريد أن تذلّه، فالمهم أن يتحرك كل منّا، أمّا متى يصل إلى الهدف فهذا يخضع للأوضاع...
السعادة في انسجام الحياة مع المبادئ
هناك من الناس من يفكّر بالحسين وكأنّه كان يائساً من الحياة، وهذا ما يفهم من كلمة: «لا أرى الموتَ إلا سعادةً والحياةَ مع الظالمينَ إلاّ برماً»(1).
الحسين (ع) علّمنا من خلال سيرة حياته أنّه هادئ، ويفكر بالحساب، ولا يعيش التأزم. ولقد حدد الإمام السعادة استناداً إلى فهمنا للحياة والإيمان، فقال: إن السعادة انسجام الحياة مع المبادئ، والراحة أن يكون الناس الذين تعيش معهم منسجمين مع خطّك، الإنسان الّذي يعيش بعيداً عن مبادئه تكون حياته شقاءً، لهذا كانت قضية الحسين (ع) خطّاً، وليست حالة نفسية.
لنتساءل في كل موسم من مواسم عاشوراء، وفي كل الأوقات: لماذا كانت جراحات الحسين وآلامه؟ إذا أردتم أن تشاركوا الحسين بعض جراحه، فإنّ مشاركة الحسين (ع) هي بالوقوف مع الحقّ ضد الباطل.
الساحة جاهزة، والمعركة طويلة، معركة الحق ضد الباطل، معركة العدل ضد الظلم.
الحسين كان مرحلة تشير إلى بقية المراحل، يريدنا الحسين أن نكون في مستوى مرحلتنا. الجواب ليس بالهتافات، وإنما بالعمل نحو الهدف.