بين الفريضة والفضيلة في الإسلام حدّ فاصل يتخطّاه كل من يتناول قضية النقاب المشتعلة في مصر، بعدما تحولت المسألة من مجرد قرار إداري إلى أزمة سياسية لم تخل من المناكفة بين السلطة والمعارضة. فالحكومة المصرية أيقنت فجأة أن منع النقاب يأتي في سياق «الحرص على الأمن القومي»، بعد اكتشاف عدد من الحالات التي يتنكّر فيها الرجال بهذا الزي، و«الأمن التربوي» لحدّه من التواصل بين الطلاب والمعلمات. أما التيارت الإسلامية فرأت في حظره انتهاكاً لتعاليم الإسلام ولمبادئ الخصوصية. أزمة لا يبدو أنها ستقتصر على مصر بعد إعلان بعض الأحزاب الإيطالية نيّتها حظر النقاب، إضافةً إلى إجراء تعديل قانوني يهدد بسجن كل من ترتديه
جولة روتينية أراد من خلالها شيخ الأزهر، محمد سيد طنطاوي، تفقّد المعاهد الأزهرية لمناسبة بداية العام الدراسي، للتأكد من اتخاذ الإجراءات الوقائية لمكافحة أنفلونزا «إيه أتش 1 أن»، تحوّلت إلى مشادة كلامية مع إحدى الطالبات الأزهريات المنقّبات، مهّدت لإطلاق السلطات المصرية حملة منظمة لمنع ارتداء النقاب في كل المؤسسات التعليمية.
فشيخ الأزهر، الذي فوجئ بطالبة في الصف الثاني ابتدائي ترتدي النقاب عند دخوله القاعة التي تدرس فيها، طالبها بخلعه لأن «النقاب مجرد عادة ولا علاقة له بالدين الإسلامي من قريب أو بعيد». وتعمّد التهكّم عليها بعد خلعها له، قائلاً لها «لو كنت حلوه كنت عملتي إيه».
إحراج سرعان ما حاول الأزهر، صاحب أعلى سلطة دينية في مصر، تداركه عبر اعتماده حلاً وسطاً لم يمنع النقاب منعاً كاملاً، بل حدّ من السماح بارتدائه، وعقد اجتماعاً طارئاً صدر في ختامه بيان تلاه طنطاوي الذي أكد فيه «أن الأزهر ليس ضد استعمال المرأة للنقاب في حياتها الشخصية، لكنه ضد استعمال هذا الحق في غير موضعه، واتباع رأي الأقلية المخالف لرأي جمهور الفقهاء الذي يقول إن وجه المرأة ليس بعورة».
إضافةً إلى ذلك، أعلن المجلس الأعلى للأزهر أن النقاب مسموح به في المعاهد الأزهرية وجامعة الأزهر في وجود الرجال، لكنه منعه «داخل الصف الدراسي الخاص بالبنات» وفي قاعات الامتحانات التي لا وجود للرجال فيها، وداخل مقار السكن الجامعية التابعة لهذه المؤسسة.
إلا أن توضيحات المجلس الأعلى للأزهر لم تكن كافية، لأن هذه المشادة أطلقت شرارة السجال في الشارع المصري، بعدما تبيّن أن تصرّف طنطاوي يأتي في سياق مخطط رسمي لمنع المنقّبات في المؤسسات التعليمية، سواء أكنّ تلميذات أم مدرّسات، عبر تفعيل قرار سابق متخذ من قبل وزارة التعليم المصري من عام 1995. وأكد وزير التعليم المصري، يسري الجمل، تفعيل القرار، معللاً السبب بأن «النقاب يمنع التواصل التربوي بين الطلاب والمعلمات، ما يجعل منع ارتدائه أمراً محسوماً». كذلك منع وزير التعليم العالي، هاني هلال، دخول الطالبات المنقّبات المدن الجامعية المصرية، من منطلق الحرص على الأمن القومي للبلاد، بحسب تفسير وزيرة الأسرة والسكان المصرية مشيرة خطاب.