لقد نجح السيد المالكي في إنتخابات مجالس المحافظات نجاحاً منقطع النظير لأسباب كثيرة لعل في مقدمتها التحسن الأمني الكبير الذي طرأ في فترة حكمهِ خاصة بعد قيادته الحملات العسكرية المتعددة للقضاء على المليشيات وبالأخص حملة ”خطة فرض القانون“ في محافظة البصرة التي اكسبته حب المواطنين هناك فصوتوا له لتكتسح قائمته ”إئتلاف دولة القانون “ كل القوائم المنافسة لها وباغلبية ساحقة.
لاريب ان العراقيين وبعد كل سنين االإضطهاد والحرمان تواقون لدولة يحكمها القانون لايأكل القوي فيها حقوق الضعفاء فكان أن وضع الكثير من المواطنين ثقتهم في ”ائتلاف دولة القانون “ الذي تزعمهُ السيد المالكي في القضاء على الفساد وبناء دولة القانون العصرية ، دولة العدل والمساواة التي ُيحترم فيها المواطن وتتحقق فيها أحلامهُ وتطلعاتهُ في عراق حر ومزدهر.
لقد تجاوز الشعب العراقي بحكمته ووحدته وارادته الوطنية الصلبة المؤامرة الكبرى التي خططت له الدوائر المشبوهة المتضمنة زجه في آتون حرب طائفية مقيتة لا تبقي ولا تذر وكان متوقعاً ان تحظى التجمعات ذات التوجه الوطني بتأييد المواطنين ومن هنا فلقد كان ذكياً من السيد المالكي خوض الإنتخابات تحت اسم ”ائتلاف دولة القانون “ متجاوزاً الخطوط الطائفية الضيقة داعياً الى بناء دولة القانون المركزية التي تعطي المحافظات السلطات التي تحتاجها لإنجاح عملها المحلي وبما يؤدي الى التكامل وليس التقاطع مع االسلطات التي يجب أن يحتفظ بها المركز.
إن من العوامل المهمة الأخرى التي أدت الى فوز السيد المالكي هو نظافة يده وأمانته وشجاعته وكذلك مايراه الكثير من العراقيين محاولة أقطاب التحالف الكردستاني التضييق على السيد المالكي في مواضع كثيرة.
ان كل هذه العوامل مجتمعة ادت بلاشك الى إزدياد الدعم الذي حظى به إئتلاف السيد المالكي في مختلف المناطق العراقية.
لقد تراجع المجلس الإسلامي الأعلى تراجعاً واضحاً في هذه الإنتخابات وليس صعباً معرفة أسباب هذا التراجع الواضح في التأييد الذي يحظى به المجلس.
ويمكن القول إن أسباب التراجع هذه قد ساهمت من جهة اخرى الى حدٍ ما في نجاح ”ائتلاف دولة القانون “ الذي قاده السيد المالكي.
لعل أهم الأسباب التي أدت الى تراجع المجلس هو إصراره على تصوير تكتله بأنها الكتلة الوحيدة التي تحظى بتأييد المرجعية الدينية العليا في الوقت الذي أعلنتها المرجعية مراراً وتكراراً إنها تقف على مسافة واحدة من جميع المرشحين بدون إستثناء.
وهكذا فلم يكن هناك حديث كاف عن كيفية تحسين الخدمات العامة المقدمة للمواطنين او كيفية القضاء على الفساد الاداري وماهية البرنامج الانتخابي بل حديث متكرر تمحور حول اننا مع المرجعية والمرجعية معنا وحدنا وهذا الخطاب الإقصائي للمرشحين الآخرين قد أضر ضرراً بالغاً بحملة المجلس الإنتخابية.
ويمكن اعتبار استخدام المجلس الشعائر الحسينية كسلاح في الإنتخابات خطأ خطير آخر شكل إمتداداً للخطأ الاول ماكان على المجلس أن ينجر اليه أبداً.
لقد تم تصوير المجلس الإسلامي الأعلى في الكثير من وسائل الإعلام العالمية والوطنية كممثل للمصالح الإيرانية في العراق وكذلك فان التبني الفوقي للمجلس الأعلى لفدرالية المحافظات التسع أثارت مخاوف واسعة من تدخلات إيرانية محتملة إذا ماتم تشكيلها بدون التحضيرات اللازمة وهنا فان المجلس لم يقم بما يلزم لتبديد هذه التصورات والمخاوف مما أدى الى عزوف الكثيرين عن إعطاء أصواتهم الى المجلس حرصاً على إستقلالية القرار العراقي ووحدة الأراضي العراقية.
لاشك ان هناك أسباباً كثيرة أخرى أدت الى تراجع المجلس كعدم تقديمه الكفاءات الشابة القادرة على إحداث التغيير المطلوب خلال حملته الإنتخابية و سكوته المطبق عما يجري في الموصل وكركوك والمناطق الأخرى المجاورة لإقليم كردستان حرصاً منه في الحفاظ على علاقته الإستراتيجية مع التحالف الكردستاني ولقد أدى ذلك أحياناً الى الإخلال ببعض التزاماته الوطنية وبالتالي فقدانه لأصوات ثمينة كثيرة.