س:
سماحة السيد، مرةً أخرى، وتعقيباً على السؤال: إذا كان الإنسان في حال
الحياة، وقال أنا لا أريد أن ينعشني أحد أو أن يُدخل أنبوباً في فمي أو
يبقيني على آلة تنعش قلبي في حال دخلت في غيبوبة، فهل يجوز له أن يأخذ مثل
هذا القرار، طبعاً في حال كان يتحدّث عن غيبوبة معيّنة، وليس عن الموت
الدماغي؟ ج: إذا لم يكن هناك موت دماغي، وكانت هناك فرصة للحياة بطريقة إنعاشية، فليس له ذلك.
س:
وفي حال كان عنده مرض مستعصٍ، وكان يحتاج إلى علاج طويل الأمد، ولم يكن له
أملٌ في الشفاء، فهل يجوز لهذا المريض أن يذهب إلى بيته ويترك العلاج،
نظراً إلى التّكلفة الماليّة الباهظة وعدم قدرة العائلة على هذه التّكاليف؟ ج: لا بدّ من أن نستمرّ في إنعاشه ما دمنا قادرين على إنعاشه، أمّا إذا لم
نكن قادرين على ذلك، فإذا أصبح بحسب الحال المادية لا يملك ما يُبقي على
حياته، عندئذٍ تنتقل مسؤوليّة المعالجة إلى الناس، وتخرج من دائرة
العائلة، لأنّه من الناحية الدينية يجب على الناس جميعاً إنقاذ حياة
الإنسان إذا كنا نستطيع ذلك، ولو كانت عملية إنقاذه يمكن أن تمتدّ إلى سنة
أو سنتين مثلاً، لأنّ القضية تنتقل من كونها حالةً خاصةً إلى حالة
اجتماعية يشترك فيها أفراد المجتمع كلّه في إنقاذ الأشخاص الذين يعيشون في
دائرة الخطر، أو الذين يحتاجون إلى علاج طويل للإبقاء على حياتهم. إنّ هذه
المسألة تعتبر من المسؤوليّات العامّة للمجتمع، سواء مجتمع الأطبّاء إذا
كانت لديهم قدرة على ذلك، أو مجتمع الدولة أو المجتمع العام، فقضيّة إنقاذ
حياة أيّ إنسان هي مسؤولية المجتمع كلّه، إذا لم يستطع أهله أن يقوموا
بذلك.
س:
نظراً إلى الإمكانات المحدودة في المستشفيات، قد يكون هناك أحياناً مريض
لا جدوى من علاجه، وهو يتلقّى العلاج بتكلفة باهظة جداً، ولكن قد يكون
بإمكان المستشفى أن تعالج بهذه التّكلفة عشرات المرضى بالتّكلفة نفسها،
فهل هناك موقف شرعيّ تجاه هذا الموضوع؟ ج: يجب علينا أن نقوم بعلاجه بحجم القدرة المتوفّرة {لا يكلّف الله نفساً
إلا وسعها} [البقرة:286]، فإذا كان العشرة الآخرون بحاجة إلى الإنقاذ،
وبقيت هناك فرصة لإنقاذه، فإنّ علينا أن ننقذه، أمّا إذا لم تبقَ هناك
فرصة في المستشفى، فإنّه يجب على كلّ قادر على إنقاذه، حتى خارج المستشفى،
أن ينقذه. ولذا نحن نقول لكل المستشفيات، عندما يأتيهم مريض في حال الخطر
مثلاً، ولا يملك المال ليدفعه، فإنّه لا يجوز لهم الامتناع عن استقباله
ومعالجته، بل يجب عليهم ذلك.
إنقاذ حياة أيّ إنسان هو مسؤولية المجتمع كلّه إذا لم يستطع أهله أن يقوموا بذلك
س:
في حال كان المريض يعاني من ألم حادّ بسبب مرض السرطان مثلاً، وكان هناك
مدة تقريبية يعطيها الطبّ لبقائه على قيد الحياة، كتحديد ستّة أشهر مثلاً،
وفي الوقت نفسه، كان هناك دواء يمكن أن يخفّف عنه الآلام، ولكن قد يقصّر
مدة بقائه، وطبعاً العمر في يد الله، وإنما طبياً، هل يجوز إعطاؤه الدواء؟ ج: علينا أن نعمل ما نستطيعه، فإن كنّا نستطيع إبقاء الحياة بحسب العمر
الذي يمكن للجسد أن يستمرّ فيه فيجب ذلك، أمّا إذا كنّا لا نستطيع ذلك،
وكان بحالة من الآلام لا تحتمل، وكان يمكننا تخفيف هذه الآلام، فعلينا أن
نخفّف عنه ذلك، ويبقى العمر بيد الله تعالى.
س:
سماحة السيد، كيف يمكن لرجل الدين أن يقدّم الفتاوى في مثل هذه المسائل
الكبرى، وخصوصاً أنها تحتاج إلى الاطّلاع على العلم الطبي، أليس الأنسب
عزل الطب عن الدين؟ ج: في الطبّ جانبان: الجانب الأول هو الجانب العلمي، والجانب الثاني هو
الجانب الإنساني، وهو الجانب الذي يفرض على المتخرّج في الطبّ أن يقسم على
أن يكون مخلصاً للإنسان في معالجته والتّخفيف عنه. ولذلك فإنّني أعتقد أنّ
كلّ علمٍ من العلوم، سواء كان طباً أو غير طبّ، لا بدّ من أن يتزاوج مع
القيمة الإنسانيّة، فنحن نقول مثلاً إنّ الطبّ هو لخدمة الإنسان، فلا يمكن
لنا أن نجعله ضدّ حياة الإنسان وضدّ مصلحته. لذلك لا بدّ لنا أوّلاً من أن
نفهم الخطوط الدينية في أيّ مسألة، لأنّ هناك اجتهادات كثيرة في القضايا
الدينية، فقد نجد أنّ هناك وجهة نظر دينية تحرِّم شيئاً، بينما تحلّله
وجهة نظر أخرى.
لذلك لا بد لنا في كل مسألة من أن نقارن بين معطيات الطب ومعطيات الدين،
وأن نعمل على أساس التدقيق فيما هي القيمة الدينية أو المسألة الطبية.
وأنا لا أتصوّر أنّ الدين يمكن أن يفترق عن الطب. وقد تعلّمنا منذ القِدَم
أنّ العلم علمان؛ علم الأديان وعلم الأبدان.
لا بدّ لنا في كل مسألة من أن نقارن بين معطيات الطبّ ومعطيات الدين والتدقيق فيما هي القيمة الدينية أو المسألة الطبية
س:
في حال طُلب من الطّبيب، من قِبَل العائلة أو من طبيب أعلى، عدم إنعاش
المريض، لكنّ الطبيب كان غير مقتنع بذلك، فما الموقف الشرعي في مثل هذه
الحالة؟ ج: يجب على الطبيب أن يعمل ما يستطيعه مما تفرضه مسؤوليته إذا كان يعتقد
أن هذا الإنعاش مفيد، وعليه أن لا يطبِّق التعليمات السلبية التي تطلب منه
أن لا يقوم بالإنعاش، وخصوصاً أنّ العائلة أو الطبيب الأعلى لا يملك
السلطة لاتّخاذ هذا القرار؛ لأنّه لا ولاية له على المريض من ناحية شرعيّة
أو إنسانيّة عامّة.
س:
في بعض الحالات، قد يحتاج المريض إلى عمليّة جراحيّة خطرة جداً، لكنّ
العائلة أو المريض نفسه قد يرفضان ذلك، فهل على الطّبيب أن يصرّ على
العمليّة، أم عليه أن يلتزم برأي العائلة؟ ج: إذا كان خطر العمليّة على المريض بنسبة 90% مثلاً، وكان المريض يرفض تعرّضه لهذا الخطر، فليس من حقّ الطبيب أن يقوم بالعمليّة.
س:
أحياناً تطلب منّا عائلة المريض أن نعطيه أملاً دون أن يكون هذا الأمل
حقيقياً، وخصوصاً في الحالات المستعصية، فهل علينا من ناحية دينية أن نكون
صادقين؟ ج: لا بدّ من ملاحظة الظروف النفسية والصحية للمريض، فإذا كان الصدق يشكل
خطراً عليه، فعلينا أن نمتنع عن ذلك، أمّا إذا كان يمكن أن يجعله ينفتح في
حالته على المستقبل، فلا بأس بذلك، فهذا يخضع للحالة النفسيّة والصحيّة
للمريض في تأثير عملية الصدق عليه.
الأصل هو الصدق مع المريض إلا إذا كان يمثل خطراً مباشراً على حياته
س: أليس من الأجدر أن نكون صادقين مع المريض، لأنه قد يحصل بذلك على فرصة أن يستغفر ربّه وأن يوصي أولاده؟ ج: الأصل هو الصدق، إلا إذا كان يمثّل خطراً مباشراً على حياته.
___________