الشيخ المظفَّر: التجديد الفكري والاصلاحالنشأة
ولد الشيخ محمَّد رضا المظَّفر، في مدينة النجف الأشرف في أوائل شهر شعبان من عام (1322هـ ـ 1904م)، وترعرع في أحضان أسرة علمية برزت على الساحة الدينية منذ أواسط القرن الثاني عشر الهجري، عرفت باسم جدها الأعلى مظفر بن أحمد، توفي والده وهو في بطن أمه، فكفله الأخ الأكبر الشيخ عبد النبي المظفر مع أخويه الآخرين محمد حسن ومحمد حسين، الذي يعود الفضل إليه في تنشئتهم، والتي ظلت مضرب المثل بين الناس لفترة طويلة.
ولكن سرعان ما ينتقل هذا المربي المخلص إلى جوار ربه الكريم، تاركاً أخويه محمد رضا ومحمد حسين بكفالة الشيخ محمد حسن، الذي قام منهما مقام الأب والأستاذ في آن واحد، حيث كان الأستاذ الأوَّل الذي واصل اهتمامه التعليمي بهما حتى آخر الشوط.
رحلة العلم
بدأ الشيخ المظفر حياته الدراسية سنة (1335هـ /1916م)، وهو ابن اثني عشر عاماً، حيث أخذ مقدمات العلوم من أخيه الشيخ محمد حسن المظفَّر والشيخ محمد طه الحويزي، ثم واصل الدراسة في المراحل العليا على يد أخيه الشيخ محمد حسن والمحقق الشيخ ضياء الدين العراقي والشيخ حسين النائيني والشيخ محمد حسين الأصفهاني، حتى بلغ درجة الاجتهاد وحصل على إجازات في ذلك من أخيه الشيخ محمد حسن وأستاذه الشيخ محمد حسين الأصفهاني والمرجع الديني السيد عبد الهادي الشيرازي.
وإلى جانب الفقه والأصول، ولع الشيخ المظفَّر بدراسة الرياضيات والفلك والعروض والفلسفة، وكان من مدرّسي أسفار الملا صدرا الفلسفية المعروفين، كما ألَّف كتاباً في العروض في سنة (1343هـ ـ1924م).
ويبدي الأستاذ جعفر الخليلي إعجابه بالشيخ مظفَّر، حيث يقول: "إنه كان أحد بضعة أنفار ممن لفتوا أنظار الآخرين من أوساط الحوزة إليهم بجدّهم وانغماسهم في الدروس".
التجديد الفكريّ
في منتصف العشرينات من هذا القرن، انتهت الجولة السياسية الأولى من المعركة بين التغريب والإسلام في العراق وأكثر بلدان العالم الإسلامي الأخرى لصالح الاستعمار الذي فرض نفسه على الأمَّة بحكم الامتيازات المادية والسياسية والعلمية التي كانت بحوزته من جهة، وعوامل التخلّف التي يعيشها العالم الإسلامي من جهة أخرى، الأمر الذي نبّه القيادة الإسلامية في النجف الأشرف إلى عدم جدوى الاستمرار في المراهنة على العامل السياسي، وإلى ضرورة تجديد بناء القواعد التحتية للمجتمع الإسلامي، وإيجاد صياغة عصرية للفكر الإسلامي تتيح له الارتقاء إلى مستوى التحديات الحضارية الكبرى التي يفرضها الغرب على الإسلام في المرحلة الجديدة، وكان معنى ذلك تغليب مهامّ التجديد الفكري على المهام السياسية ريثما يكتمل بناء القواعد التحتية الجديدة للمجتمع الإسلامي المعاصر.
ولذلك، أصدرت المرجعيّة الدينيّة في النجف الأشرف فتاوى بتحريم الدخول في المدارس الحديثة التي أنشأها المستعمر، وسعت إلى جانب ذلك إلى افتتاح مدارس مستقلة تخضع للتأثير الديني. وعلى صعيد الدراسة الحوزوية أسَّس السيد عبد الحسين شرف الدين مدارس حوزوية في لبنان إلى جانب المدارس التي كان يشرف عليها، كما قام السيد محسن الأمين العاملي في سوريا بتجربة مماثلة، وفي إيران تبنَّى الشيخ عباس علي الإسلامي فكرة تنظيم الدراسة الحوزوية في صفوف ومدارس مبرمجة. وفي العراق، يعتبر الشيخ محمد رضا المظفر رائد تجربة التحديث والتنظيم والبرمجة للدارسة الحوزوية.
من هنا، كانت الفترة الواقعة من منتصف العشرينات وحتى منتصف الستينات، تمثِّل مرحلةً غلبة الفكر على السياسة في أعمال المرجعية والحوزة العلمية للنجف الأشرف، وهي المرحلة التي بدأها المرجعان الكبيران آية الله السيد أبو الحسن الأصفهاني وآية الله الشيخ النائيني بعد عودتهما من إيران إلى العراق، والتي ضمت النشاطات الفكرية الواسعة للشيخ محمد البلاغي، والسيد هبة الدين الشهرستاني، والشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء، والشيخ آغا بزرك الطهراني، والشيخ عبد الكريم الزنجاني، والسيد محسن الأمين العاملي، وأخيراً الإمام الشهيد محمد باقر الصدر.
وقد كان للعلامة الشيخ محمد رضا المظفّر دورٌ مهمّ، حيث قرن فكرة التجديد بحركته الإسلامية الرائدة التي أطلقها في مجال تجديد وتطوير المناهج التدريسية للحوزة العلمية، ولولا هذه الحركة، وما كان الشيخ المظفَّر قد عقد العزم عليه من تغليب هموم التجديد والإصلاح على ما سواها، لكان قد بلغ المرجعية العليا.
ولذلك نجد أن الشيخ المظفَّر قد سعى إلى القيام بحركة إصلاحية تجديدية، وبخطوات واثقة ترجمها بمشروع عملي:
).