في المرقد الحسيني
سماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله
هنا يقـف الخاطر الملهــمُ
ويـسكت فـيه ويـسـتسلمُ
ويسترجع الطرف عن قصده
فيـغشى فيـنهلُّ منـه الدمُ
هنا حيث يرقد رمز الإبــا
وقطب الهدى المنقذ الأعظمُ
يفيض على الكون من روحه
حناناً متى راح يسترحــمُ
ويرسـل أنـواره في الفضـا
فيـشرق عالمنـا المظلــمُ
وينشــر فيـنا تعاليــمه
ولكن بفـيض الدمـا ترقـمُ
*******
هنا حيث يرقد سـرُّ الإلــهِ
وحيث الهدى، من أسىً، مفعمُ
ترى الحق كيف ارتقى واستطال
فتعلم مـا لـم تـكن تعلـمُ
وتلمح في جنبــات الضريـح
دماء الـشـهـادة إذ تُـلثـمُ
وقد قام من حولـه الـزائـرون
ونـار الأسى في الحشا تضـرمُ
وقد عكفت حوله النـائحـات
فهـذي تـضـجّ وذي تلـطمُ
فتحسـبه كعبـة المسلمــين
وكـل فتى مـنهـم المـحـرمُ
*******
هنا سُجِّلت للهــدى صفحةٌ
من الحق، ما خطـهـا مرقـمُ
تلاهـا على الكون سبط النبي
فشع بهـا المنـهـج الأقــومُ
وأرسلها في الهـدى دعــوةً
تبـين الـصـواب بمـا ترقـمُ
وشيّـد صرح الهـدى بعدمـا
أزال قــواعــده الـمـجرمُ
وعلّمنـا كيف تفـدى النفوس
وكيـف يمـوت الـفتى المسـلمُ
وكـيـف تُـراق دمـاء الأبي
تجــاه الـعقيـدة إذ تُـهضمُ
*******
ويـا نهضـةٌ خـلدتهـا السنون
ودار بهـا الفلك الأعظـمُ
أعيـدي على مسمـع الكائنات
حديث الأُباة وما قـدَّمـوا
عسـى يعلـم النفر الجـاهـلون
بمـا استنكروه وما استعظموا
ومـا زعـمـوا فيـه أن الـرواة
قد أخَّـروا فيه أو قـدمـوا
أعيـدي فعنـدك فصـل الخطاب
وعنـدك يُستـوضح المبـهمُ
*******
ويـا سيِّد النفـر الـنـاهضيـن
تـعاليـت عن كل ما ينظـمُ
وقُدسّتَ عـن أي يحيـط الخيـال
بـذاتك خـبـراً ويستـعـلمُ
مثلتُ إلـيـك أمـام الضـريـح
فـلاح لـعيـني مـا يـؤلـمُ
وقـبّـلت فـيـه دمـاً زاكيــاً
أريـق، وقـد راح يستظـلـمُ
ورتـلت ذكـراك حيـث ارتـوى
بهـا العقـل والخـاطر المبـهمُ
ومـرّت على خـاطـري الذكريا
ت تُبِين الحـديـث فيـشدو الفـمُ
*******
وأرسلت طـرفي نحـو الضـريـح
لأ نـظـر ما ضـمّ، أو يكتمُ
فـردّ وقـد فـاض عـن مـدمع
هـو الـدرُّ كلّـَلَـهُ الـعندمُ
تــراءت لـه وسـطــه جثـةٌ
هـوت فـوق مـنحرها الأنجمُ
وقد ضـرِّجـت بنجـيع الـدمـا
وقـد رُكِّّـزت وسطـها الأسهمُ
وأبصـرت طفـلاً كـزهـر الربيع
تـفـتَّح عـن نـوره البـرعمُ
غفـا فـوق صـدرٍ كان السهـام
علـيه طـيـور المـنى حــوّمُ
وراحـــت تـقـطِّــع أوداجه
وتـقسـو عـليـه فيستـرحمُ
سـهــامٌ يســددها الظـالمـون
فـتجـذم مـنهـن مـا تجـذمُ
فــرّن بــأذني صـدىً مـرسـلٌ
مـن القـدس، لـكـنـه مبهمُ
هـنـا حـيـث يـرقـد سـر الإلـه
وحيث الهـدى من أسى مفعمُ
ورحـت إلى حيـث يجـري الشـبـاب
«نـزيـفا إلى الله يسـتـظلمُ»
فأبصـرت فيـه كغـصـن الـريــاض
فـتى جـذّ أشـلائـه المـخذمُ
تهـاوت على ســاعـديــه النـبـال
وراحـت تـضـجّ وتـستطعمُ
وأهـوت على صـدره تـشـتـكــي
ظمـاهـا.. فـروّى حشاها الدمُ
*******
فـيـا نهـضـة الحـق ثــوري فـقـد
أُبـيـح الحـرام، وكُـمَّ الفمُ
وسـاد الفسـاد.. فـلا مــصــلـحٌ
يُرجّـى هـنـاك، ولا مسلـمُ
وجـار عـلى الشعـب حـكــامــه
ولم يبـق في القـوم من يرحـمُ
وراح الـضــعـيـف بآلامــه
يئـن.. ولـيـس لـه بـلسمُ
وأُخـرس ذاك الـــيراع الـجــريء
ولم يـبـق ينـفـع الا الـدمُ
أعيــدي عـلى الكـون يـوم الإبــا
بـجـيـش يـفلُّ ولا يهـزمُ
لـتخـفـق فـوق المــــلا رايــةٌ
يـوحـدها الحـق إذ يقـدمُ
ويـزهـو بهـا العـدل مسـتـعلـيـاً
ويعلم مَـن قـد عتوا.. من هُمُ
قصيدة من ديوان «قصائد للإسلام والحياة»